صورة

قيمة صورة الفوتوغراف “الفوتوغرافية”

بقلم سيمون كينغ (SIMON KING) ، تعريب ورشة الصور. (المصدر)

قد يبدو في مناقشة ما يجعل الصورة تكون صورة ”فوتوغرافية“ أمرا غير مهم وشكلا من الحشو والتكرار، ولكن هذه الفكرة باعتقادي قد ساعدت فهمي لما أحاول تحقيقه.

بدأت أفكر أولاً في ما يمكن أن يجعل شيئًا ما “فوتوغرافيًا” بعد أن رأيت عدد الأشخاص الذين يصفون بعض الصور بأنها “سينمائية”. إن فهمي لما يعنيه حقًا أن تكون صورة الفوتوغراف سينمائية -أو أنها تعطي الشعور السينمائي- هو أن هناك شيئًا أكثر من مجرد نسبة العرض إلى الارتفاع، وتدرجات الألوان، والبعد البؤري، إلخ. يجب أن يكون هناك شيء ما أكثر تكاملاً مع ما يجعل الإطار السينمائي سينمائيًا، وهو ما يجب أن تستعير منه صورة الفوتوغراف السينمائية.

توجد الإطارات السينمائية كجزء من تسلسل سياقي. فهناك لقطات تأسيسية، متوسطة، ختامية، وجميع ما بينها من لقطات. وظيفة كل لقطة هي المساهمة في السرد العام، ويمكن أن تفعل ذلك بشكل فعال أو ضعيف – لذا من الممكن تمامًا أن يكون لديك فيلم سيء ـ من حيث السرد العام- وإن تم تصويره بشكل جميل.

إذا أخرجت إطارًا سينمائيًا جميلًا واحدا من مكانه في الفيلم النهائي، فأنت تزيل عنه غرضه وغايته وتدعه مع جماليته فقط. قد يكون له ميزة فنية من مظهره، لكن هذا لا يعني حقًا أي شيء خارج السياق الذي تم تصميمه للوجود فيه.

أعتقد أن العديد من صور فوتوغرافيا الشوارع “الموجة الجديدة” قد تبدو سينمائية لأنها غالبًا ما تشبه اللقطة التأسيسية – شخصيات تتحرك عبر مساحة، وأشكال ظلّيّة غامضة، هياكل معمارية فاتحة وعريضة. ومع ذلك، بدون سياق بقية قصة الشخصية (كما هو الحال في الفيلم)، فهي حقا لاتخدم وظيفة اللقطة التأسيسية – إنها لا تؤسس لأي شيء ما لم ينتهي الأمر بتضمينها في سلسلة.

ومع ذلك، كصورة فوتوغرافية فردية، فهي لا تملك قوة الإطار نفسه المستخدم في المقال المصور، أو كجزء من السينما؛ لعدم وجود أي استثمار للمكان أو الشخصية، وهذا يترك مجالا كبيرا للتأويل وقراءة مابين السطور.

الصورة الفوتوغرافية المصوّرة بهذه الطريقة لا تبدو لي ”فوتوغرافية”. إنها لا تبرر وجودها بل تعتمد على علاقة ترابط، وتلك العلاقة هي التي يحكم الجمهور على جودتها. إذا كان الشيء الوحيد الذي تفعله الصورة هو مجرد أنها تذكرك بـ فيلم  ما (وقد أشار الكاتب إلى فيلم Blade Runner)، فإنها ليست صورة فوتوغرافية جيدة، إنها مجرد إشارة مرجعية إلى فيلم جيد – وسأستمتع كثيرًا بالفيلم حيث الجمالية تعني في الواقع شيئا أكثر من مجرد النظر إلى صورة ثابتة، تخلو من الطابع الحقيقي، والقصة، والعمق، ومنفصلة عن أي سلسلة يمكن أن توفرها.

وبالعودة إلى فكرتي حول صورة الفوتوفغراف ”الفوتوغرافية“، أعتقد أن هذه الاشارات المرجعية البصرية السينمائية -يقصد الكاتب الصور الفوتوغرافية غير الجيدة من وجهة نظره أنها- ليست بحاجة لأن تكون نابعة من صورة مصنوعة من الكاميرة. وبإمكان المرء أن ينتج لوحة رسم زيتية أو لوحة رسم كرتوني يمكن أن تحتوي على نفس اللغة البصرية دون الحاجة إلى التفكير في كاميرا، وستظل النتيجة توصف بأنها سينمائية. ليس من ضرورة لإشراك الكاميرا في وجود الصورة السينمائية، لذلك أرى فيها قيمة أقل باعتبارها صور فوتوغرافية، فالقول بأن صورة فوتوغرافية تبدو سينمائية ليست مجاملة أو ثناء في نظري، إنها تعني أن قيمتها في أنها تذكرك بشيء آخر. 

شخصياً، لا أريد أن تكون قيمة صوري في مجرد كونها تذكّر جمهوري بشيء آخر، أريد أن تكون القيمة متأصلة في محتويات الإطار، ربما إذا فعلت الصورة (الفوتوغرافية وغيرها) شيئًا أكثر، كأن تكون مبنية على مفهوم، أو تضيف شيئًا جديدًا، ربما تطور فريد، أو تعيد صياغة شيء مألوف وتحدثه؛ وذلك لجعلها شيئا أكثر من مجرد إيماءة أو استعارة.

إن فهمي لصورة الفوتوغراف الفوتوغرافية يعتمد بشكل كبير على ما تقدمه الصورة بشكل مختلف عن أشكال الوسائط الأخرى. بالنسبة لي، هذا يتعلق أقل بالجمالية المطلوبة، وأكثر بالأساسيات المطلقة – التي تعني القدرة المباشرة والدقيقة على تحويل الضوء من أمام العدسة إلى المستشعر (أو قطعة من الفيلم).

السرعة والدقة هما أهم الجوانب الأساسية في رأيي، وهي تُعبر بشكل كبير عن احترامي للطريقة التي يمكن بها استخدام الصور بطريقة صحفية. هذه الصور ليست إشارات إلى أنواع أو أشكال فنية أخرى ، بل هي إشارات إلى التاريخ ، تصف أحداثًا قوية من خلال لحظات بشرية حقيقية. قيمتها متأصلة في الأحداث داخل الإطار، والتي لم يتم العثور عليها في أي مكان آخر عن طريق التضمين أو الاستدعاء.

في التطبيقات الأصغر حجمًا، كالأفلام الوثائقية الشخصية أو التصوير الفوتوغرافي في الشوارع، أعتقد أن الصور الفوتوغرافية التي يتم التقاطها أثناء السعي وراء الحياة تصبح جزءًا من شيء أكثر من مجرد مجموعة صور فوتوغرافية ، ولكنها تحتوي على تجربة أكثر كثافة. الصور التي تستخدم أدوات المصور وملحقاته أو تصل لمواقف فريدة من نوعها، كتوثيق لحظة من المشاعر الحميمة ضمن إطار صورة ثابتة؛ هذا ما يقدمه التصوير الفوتوغرافي أكثر من أي وسيلة فنية أخرى.

عندما يكون اهتمام المصورين هو الضوء، أو الشكل، أو الهندسة، أو الحالة المزاجية، حينها أعتقد حقًا أنهم قد يجدون في فن الرسم ماهو أكثر إشباعًا لهوايتهم. هناك فرصة جيدة لترجمة رؤيتهم إلى قماش أو ورق؛ هناك الكثير من الفنانين متعددي التخصصات الذين يجدون هذه الأعمال لهم. عندما تكون القواعد الجمالية هي الهدف من توجيه الكاميرا، فقد يكون من المفيد حقًا العمل على طريقة لإنتاج هذه الجمالية في مكان آخر.

يمكن للعديد من الصور الفوتوغرافية أن تمتد عمرا طويلا تماما كما هو مع لوحة الرسم. فالطبيعة الصامتة، ومناظر الطبيعة، وصور الشخصية المموضعة؛ يمكنها القيام بدور قصيدة أو أغنية.

يمكن أن تلتقط اللوحة تعبيرًا ما، لكنها ليست حقيقية بنفس الطريقة التي تكون بها الصورة الفوتوغرافية. إلا إذا كانت الضرورة الملحة لـ الصورة ترتكز على الواقع، لتثبت أن شيئا بدا مثل هذا حقًا، أو أن حدثًا حدث بالفعل، فيمكن أن يتخذ أي شكل آخر. هذا التعبير المرسوم أو سحابة الألوان المائية ليس له نفس الوزن القادم من عين الرسام وفرشته على مدار عدة ساعات مثل اللحظة الدقيقة التي تم التقاطها بشكل سريع.

هذا ما تقدمه الصور الفوتوغرافية، وتفسر هذه الأسباب لماذا أصبح موضوع صورتي أكثر بعدًا عن كل ما أعتقد أنه ينظر إليه على أنه شيء آخر غير الضوء المسجل من خلال الكاميرا.

نبذة عن الكاتب: سيمون كينغ، وهو فوتوغرافي ومصور صحفي مقيم في لندن، يعمل حاليًا على عدد من المشاريع الطويلة الأمد لتصوير الأفلام الوثائقية والتصوير الفوتوغرافي في الشوارع. الآراء الواردة في هذه المقالة هي فقط آراء المؤلف. يمكنك متابعة أعماله على انستقرام.

شاركونا آراءكم حول هذه المقالة في التعليقات

إعلان

جائزة الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عيدالعزيز آل سعود للتميز والابداع (٢٠٢٠) تنتظر المشاركين بجوائز تفوق ٥٠٠ ألف ريال

أضف تعليق